غدر الزمان أم غدر البرايا

معين الغدر لن يبقى معينا ===أشد الغدر من خان الأمينا

وإن الدهر أغدر من عرفنا ===وإن الدهر رأس الخائينيا

وأيام تمر على البرايا ===كومضة بارق أو ما ترينا

ويأبى الدهر إلا أن يخونا=== كأن الدهر قد أعطى يمينا

فلا تأمن وأن تمشي رويدا ===ففي الأشبار قد نصب الكمينا

ألا يا دهر ما جفت مآقي=== فبالأيمان نحيا واليقينا

فلا تعمى عيون في البرايا=== ولكن في قلوب الناظرينا

زمان حول الأخيار منا ===أشر الناس أنى قد عمينا

كذا قد حول الأشرار منا ===خيار الناس والباغي أمينا

أخير الناس أكثرهم فسادا ===وشر الناس خير المؤمنينا ؟

إذا دارت عليك الأسد يوما=== فكن ليث الليوث لمعتدينا

وليس الخوف من ذئب البراري ===كخوف من صديق الأقربينا

فكن جلدا طموحا للمعالي ===ولا يثنيك حقد الحاقدينا

وكن جبلا تصد الريح صدا=== فلا ريح تهز ولا تلينا

وكيف بنا يناصرنا زمان ===وقل الصدق عند القائلينا

فهل من مبلغ بالصدق قولا ؟ ===فلا إفكا كإفك الآفكينا

وقوم قد مشوا بين البرايا ===بألسنة حداد طاعنينا

أنمشي نقدح الأخيار منا ؟ ===لعمري هم قلوب العارفينا

أنغتاب البرايا كل حين ؟=== وهم أحبابنا منا وفينا

فلا تأكل لحوم الناس ميتا ===فقلب الليث لن يبقى رهينا

ولا تمشي تفرق بين قوم=== تنم الناس تحلفهم يمينا

بخوض الشك قد ظلمت أناس=== فلم يجدوا الصراحة واليقينا

وإنا في الديار دعاة خير ===وما كنا لنؤذي الأكرمينا

ولا ذم البرايا والأهالي ===ولا كره لخير الفاضلينا

كأن الناس قد أمنوا فعاشوا=== وعاثوا يفسدون الناشئينا

فقد مكروا وقد ظلموا وعابوا ===وإن الله خير الماكرينا

وعم الظلم بينهم جهارا ===وناموا ليلهم متظالمينا

وقد عابوا لسان الصامتينا ===وما عابوا لسان القادحينا

وصمت المرء خير من سفيه=== وخير من لسان الشامتينا

وهل في الناس من لاعيب فيه ===فليس هناك خلق سالمونا

فلن تجدوا الرفيق بدون عيب=== فصونوا ألسنا متعايبينا

وليس العيب في زمن بريء=== ولكن عيبنا منا وفينا

وعبد بات يخلو بالمعاصي ===ويخفي أمرها حصنا مكينا

وينكر فعلها وله شهود ===أما تخشى اله العامينا

فبادر بالمتاب وكن شريفا ===يحب الله خير التائبينا

ومن لزم التقى في كل باب ===سيؤتى مخرجا كالمتقينا

شهودا سخر الرحمن فينا ===ملائكة كراما كاتبينا

سلوا الأيام هل أبقت أناسا ===تراب كلهم صاروا دفينا

كأن حياتهم كانت خيالا ===وما عاشوا على أرض سنينا

فكم بالموت من عبر توالت ===كفى بالموت خير الواعظينا

ولكن البرايا في غرور ===قلوب كالحجارة لا تلينا

فلن يبقي لنا الدهر حبيبا ===ولا كانت حياة الخالدينا

فهل تدعى حكيما في البرايا=== وتلهو مثل لهو المترفينا

فلن يزن الحياة سوى حكيم=== يسايس أمرها شدا ولينا

قضاء الله والأقدار حق=== فما يجدي التأسف باكيينا

فما زاد التأسف غير هم ===وحزن صير القلب حزينا

هي الدنيا تدور ولست تدري ===ولن يدري جهول الجاهلينا

هي الأيام تظهر فعل قوم ===وإن كانت فعائلهم دفينا

ويوما سوف ينكشف الغطاء=== ويظهر فعل قوم ظالمينا

وإن طال الظلام بأرض قوم ===سيشرق فجر ليل الحائرينا

وإن الليل بحر من خيال ===وأنس في قلوب السامرينا

وصمت الليل يحكي في سكون ===ويسمع من هموم الشاكيينا

ألا ياليل كم أنست قوما=== وكم سامرت قوما آخرينا

فسامر عاشقين الليل حبا ===من الأشواق قد صرخوا حنينا

وهز الشوق أرواحا تلاقت ===وذابت في نكوب العاشقينا

لقد آنست عبادا فباتوا=== بذكر الله قرآنا مكينا

فقد أحيوا لياليهم بذكر ===وقرآن ينير القلب دينا

فآيات الجنان تزيد شوقا ===وإن كانت عذابا شاهقينا

جنوبهم تجافت لا نيام ===دعو الرحمن خوفا طامعينا

فهم رهبان ليلهم وكانوا ===لفرسان النهار مشمرينا

ولو عرف الزمان حقوق قوم ===لناصرهم وقبلهم جبينا

وكل سوف تدركه المنايا ===ولسنا في الحياة معمرينا

سيفنى الخلق كلهم جميعا=== ويبقى وجه رب العالمينا

وأنفسنا نعاتبها مرارا ===ونخشى زلة كالفاجرينا

وتدمي العين مدرارا وشوقا ===إلى الفردوس والقلب حنينا

فليس لنا سوى رب البرايا ===بدا خلق الورى ماء وطينا

أيا رحمن ألفنا ودادا ===وأدركنا بودك آمنينا

أيا رحمن تبنا من ذنوب ===عظام مثل ترب الراحلينا

أيا رحمن ثبتنا كراما ===وعبادا بفضلك مهتديتا

أيا رحمن وارحمنا جميعا ===فأنت الله خير الراحمينا